حرارة الصيف في طليطلة و أحزان الراحلين عنها سواء ، فهذه تشعل قلوب
المحبين القادمين بشوق الغرباء وتلك تشعل حرارة الفرقة على أمل اللقاء. الصيف في
طليطلة أغنية بحار خانته كل شواطئ الدنيا فراح يبحث عن ميناء سلام ، ولما هده
السفر والترحال أيقن أنه مرساة لا ترسو وأن ما كان خلفه كل تلك السنين كان محض عبث
فاستسلم لآخر موجة تجتاح روحه حتى تقاسمت خيوط الشفق أحزانه وخلدت كلمات الأغنية
روحه فأينما تذهب في طليطلة فهناك أشلاء لتلك الروح وأصداء لتلك
الأغنية
تأسرك طليطلة الحزينة بشوارعها الضيقة ومحلاتها العتيقة وممراتها
المتداخلة وتلك الرائحة الحالمة الممزوجة برائحة الطين والزيتون و أنفاس الصباح
الدافئة والشرفات الأندلسية المثقلة بالورود
والرياحين.
في تاريخها القديم تحكي المدينة قصصا مختلفة عن أمم تعاقبت عليها
فأثرت فيها لعل أبرزها الحضارة الإسلامية التي لا تنكر المدينة فضلها وتأثيرها في
عمارتها وثقافتها و تنوع سكانها حتى أنك تقرأ في جدرانها وممراتها ذكريات من رحلوا
و أصداء أشعارهم و آذان مساجدهم جنبا إلى جنب مع أصوات أجراس الكنائس و صلوات
المعابد.
(منظر لطليطلة ) لوحة للفنان الأسباني ( الجريكو ) تعكس صمتا غريبا
يلف المدينة و تتحدث عن طبيعة خلابة تسكن الروح لعلها هي روح (الجريكو ) نفسه الذي
تسكن لوحاته المدينة وتحتضن ذكرياته بحنو الشمس التي تحتضن المدينة
بأسرها.
شدني محل متواضع يبيع قطعا أثرية كان من أبرزها سيوفا مختلفة الأحجام
والأشكال حاولت عبثا أن أرفع أحدها فكان ثقيلا كأحزان الراحلين عن طليطلة دون إياب
فإكتفيت بالتجول في المحل و حاولت أن أتحدث مع صاحبه ولكن للإسف كان لايجيد سوى
الأسبانية فلملمت فضولي وخرجت.
البيوت في طليطلة متقاربة متلاحمة كقلوب عشاقها ترتسم على جدرانها
عبارات البساطة و السكينة و مشاعر الفرقة والحنان فتود لو تحتضنها و ترحل معها إلى
أيام خلت من المحبة و التسامح و أحترام الآخر ودعت طليطلة وفي نفسي أحزان و آمال
فهل تسعفني الأيام لزيارتها مرة أخرى؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق