الخميس، 27 أكتوبر 2011

الوادي الكببير ... قلب أشبيلية الباكي


لف الصمت المكان فلا تسمع سوى خرير الماء يحرك سواكن النفس و لواعج القلب و ذكريات من زمان الوصل الجميل ... ترى كم مرة وقف المعتمد بن عباد على هذا الوادي العظيم يبثه أحزانه و يشكو إليه ثقل الحكم و أطماع الأعداء المتربصين به؟ كم مرة عانق نسماته الساحره و ترجمها شعرا يبوح به لزوجته اعتماد وهي تعبث بخصلات شعره التي خالطها الشيب ؟ كم مرة شاهد وجهه المجهد في صفحة ماءه و تمنى لو أنه كالنهر يسير دون أن يلتفت للوراء ؟ كم مرة تمنى لو أن هذا النهر يحمله بعيدا بعيدا حيث السكون الذي كان يتجلى مع نفحة كل فجر.
الوادي الكبير نهر ينبع في الجزء الجنوبي من أسبانيا و يجري غربا و جنوبا عبر مدينتي قرطبة و أشبيلية ليصب في خليج قادس على المحيط الأطلسي يبلغ طوله 657 كم. و يعتبر من أكبر الأنهار في أسبانيا ... و قد شهد أصعب اللحظات قسوة على مدينة أشبيلية حينما سقطت في يد فرناندو الثالث ملك قشتالة الذي احتل أسطوله مياه مصب الوادي الكبير؛ ليمنع ورود الإمداد والمؤن إلى أشبيلية من طريق البحر، و أحكم حصاره على المدينة حتى سقطت في يده في 5 من رمضان 646هـ ثم كان على ذلك النهر العظيم أن يحمل على ظهره الآلاف من المسلمين وهو يئن ألما و حسرة على مصيرهم المجهول.
مازالت الوحشة تسكن ذلك النهر و الناظر إليه تأخذه الهيبة و الجلال و ربما يظل ينظر إليه لساعات دون أن يعرف لذلك سببا ربما هو الماضي الأليم الذي مازال يسكن ذاكرتنا أو ربما الأحزان التي ما برحت تسكن ذواتنا فنحاول أن نتناساها أو نهرب منها بأن نرمي بثقلها على ذلك النهر المجهد بأحزان المهجرين و بكاءهم المرير.

النهر مازال يجري و مازالت ذاكرته حيه تحمل الكثير من الأحداث الجسيمة التي مرت عليه و مازال يحدث الناظر إليه بأحاديث يفرح لها تارة و يبكي لها تارة أخرى و كل يوم له قصة و حكاية تطول و تتشعب... في ذلك المساء ألقيت بحجر صغير في ماءه فسرت فيه رعشة أعقبها صمت مؤلم فكأني أصبت قلبه بذلك الحجر و بينما كنت أبتعد عنه كان يبكي بصمت :

غريب بأرض المغربين أسير
سيبكي عليه منبر و سرير
إذا زال لم يسمع بطيب ذكره
ولم ير ذاك اللهو منه منير
و تندبه البيض الصوارم والقنا
وينهل دمع بينهن غزير
إذا قيل في أغمات قد مات جوده
فما يرتجى بعد الممات نشور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق